الاحد 22 يناير 2017 13:26 م بتوقيت القدس
منذ القرن التاسع عشر وحتى الحادي والعشرين، لا تزال معصرة السمسم الخاصة عائلة الجبريني قائمةً في القدس العتيقة، شاهدةً على تغير الأزمان والحقب على المدينة المقدسة، من العهد العثماني إلى الانتداب البريطاني ثم الحكم الأردني، وليس انتهاءً إلى الاحتلال الإسرائيلي الذي تشهد المعصرة على ولادته من رحم الكذب والتزوير في تاريخ المدينة.
إسحق وزكريا الجبريني (52 عامًا) من القدس العتيقة، ورثا المكان التاريخي عن والدهما الذي عمل فيه منذ كان عمره 8 سنواتٍ حتى بلغ 108 سنوات، ويحتفظان حتى اللحظة بزبائن من القدس والضفة الغربية أيضًا، كما يحتفظان أيضًا بماكنات قديمة يؤكدان أنها هي من تعطي الطعم الخاص للمنتج.
يروي إسحاق (أب لـ 8 أبناء) لموقع "ديلي 48" أن المعصرة كانت أصلا لثلاثة شركاء، وقد عمل بها والده حتى الحرب العالمية الأولى، حيث تعرض حينها للسجن عند قوات الحلفاء (المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وإيرلندا، فرنسا والإمبراطورية الروسية)، حيث بلغ حينها 35 عامًا، ثم عاد بعد سبع سنواتٍ ليجد أحد الشركاء قد فارق الحياة، والشريكين الآخرين جمّعا حقوق والده طوال سنوات عمله في المعصرة، ثم أدخلاه شريكًا لهما.
ويوضح إسحاق، أن أحد الشركاء توفي لاحقًا فاشترى والده حصته، ثم تنازل الشريك الثالث عن حصته بعد أن تقدم به السن، لتبقى المعصرة ملكًا لعائلة الجبريني، ويديرها أبوهم حتى عام 1984، حيث طلب من أبنائه متابعة العمل بعد أن نال منه التعب لتقدمه في السن، إذ بلغ حينها 84 عامًا.
في ذلك الحين، كان إسحاق يعمل في تنجيد الأثاث بعد أن درس "صناعي" لعدة سنوات، فيما كان زكريا طالبًا في "التوجيهي"، ولانشغال الأول في مهنته والثاني في دراسته أغلقت المعصرة أبوابها لعدة أشهر، حيث أنهى زكريا دراسته وأعاد افتتاحها، قبل أن يلتحق به شقيقه في التسعينات متخليًا عن حرفته.
خلال الانتفاضة الأولى، وضعت انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي والاغلاقات العديدة إبان الانتفاضة الأولى في موقفٍ صعب، إذ أُجبرت كافة المحلات في القدس العتيقة على إغلاق أبوابها ووقف العمل منذ الساعة الواحدة ظهرًا، لكن العائلة استطاعت الحفاظ عليها ومنع إنهاء حياتها، عندما قررت افتتاح بقالة صغيرة لتسيير أمورها وإبقاء المعصرة واقفةً على قدميها.
ونجح الشقيقين في الحفاظ على الإرث التاريخي عامًا تلو آخر، بل استطاعا تطويره بإحضار ماكناتٍ جديدةٍ يقول إسحق إنها ساهمت في استثمار الوقت بشكل جيد، "الآن نحتاج من ثلاث إلى أربع ساعات لإنهاء العمل، لكن العمل نفسه كان يحتاج سابقًا لسبع ساعات على الماكينات اليدوية القديمة".
ويؤكد لـ "ديلي 48"، أنه استطاع الاستفادة من دراسته في عمله، ونجح أيضًا في إنهاء مشكلة انزعاج الجيران من الصوت المرتفع الذي كانت تسببه الماكينات القديمة.
ورغم ذلك، فإن المصنع لا يزال محتفظًا بـ "الحجار" التي كانت تستخدم منذ عقودٍ طويلة، إذ يقول إسحق إنه لا غنى عنها، إلا أنه استطاع تطوير أسلوب عملها، حتى أصبحت تؤدي عملها بشكلٍ أفضل ودون أي صوت.
وللحفاظ على نظافة المعصرة، أعاد إسحاق إعمارها 8 مراتٍ خلال السنوات العشر الماضية، آخرها كانت قبل سنتين، وأدخل "ردادات" في البنى التحتية لضمان عدم دخول أي مواد شائبة أو حشراتٍ من خارج المعصرة.
ويحتاج إنتاج 300 كيلو سمسم إلى سبع ساعات عمل، بدءًا من "البشكرة" وهي فصل السميم عن الشوائب والقشور، ويستغرق ذلك ثلاث ساعات، ثم يحتاج لأربع ساعاتٍ لتجفيفه، فيما يستغرق تحميصه يومًا كاملاً، إذ يتم ذلك عبر فرنٍ عربيٍ قديم.
وبعد تجفيف السمسم يُوجه إلى الحجار لطحنه وتحويله إلى طحينه، فيما لا يُجفف السمسم الذي سيستخدم للكعك، حتى يبقى رطبا حين يوضع على الكعك ويلتصق به، فإذا كان السمسم جافًا لا يلتصق بالكعك جيدًا ويسقط عنها.
ويشدد إسحاق على أن المعصرة حافظت دائمًا على جودة السمسم الذي تقدمه، ما يمنح جودةً ممتازة للطحينية، موضحًا، أن المعصرة لا تحتاج لتسويق إنتاجها، بل إن زبائنها يطلبون الإنتاج بشكل خاص، إذ تنتج المعصرة حوالي 300 كيلو باليوم فقط، ولمدة أربعة أيامٍ في الأسبوع.
ويشير إلى أن السمسم يتميز بأنه يتم تحميصه على الفرن القديم، الذي يؤدي بشكلٍ أفضل من ماكينات تحميص السمسم، مؤكدًا، أن الأفران العربية القديمة هي ما تميز كعك القدس عن سواه، "بتخليه يستوي من جوا وما بتحرقه من برا".