“مشهد معقد ومأزق كبير، تواجهه كافة الأطراف الفاعلة في جهود وقف التصعيد العسكري في قطاع غزة والأراضي المحتلة، ومحاولات إنهاء العدوان الإسرائيلي على القطاع المحاصر”. هذا ما قاله مصدر مصري مطلع على تحركات القاهرة في هذا الإطار، مضيفاً أن “هناك أزمة محتدمة طارئة في العلاقات المصرية الإسرائيلية في هذه الأثناء”.
وأكد المصدر أن مصر “شدّدت على رفضها التام فكرة تهجير أهالي قطاع غزة إلى شمال سيناء، حتى ولو بشكل مؤقت كما روجت حكومة الاحتلال، حتى يتم الانتهاء من توسيع المنطقة العازلة بين قطاع غزة ومستوطنات الغلاف، لمسافة تتراوح بين 2 و3 كيلومترات”.
وبحسب المصدر، فقد “حاولت تل أبيب الضغط على القاهرة عبر الإدارة الأميركية، وأمام تلك الضغوط، كرّرت مصر رفضها مسألة فتح الحدود أمام النازحين، وفي المقابل طالب مسؤولون مصريون الإدارة الأميركية بالضغط على حكومة الاحتلال، من أجل فتح ممرات آمنة لعبور شاحنات المساعدات الطبية والغذائية”.
وقال المصدر إن “مصر لا ترفض فقط فكرة فتح الحدود أمام النازحين، لكنها بعثت برسائل رفض للنهج الإسرائيلي، معتبرة أن الضغط على سكان شمال قطاع غزة لتهجيرهم عبر تكثيف الضربات الجوية على منازلهم، يأتي في إطار تصدير مشكلة للقاهرة”، مضيفاً أنه “حتى لو لم يدخل هؤلاء إلى سيناء، وظلّوا في جنوب قطاع غزة، فإن القاهرة لا يمكنها أيضاً تحمل فكرة وجود تلك الكتلة البشرية المكونة من أكثر مليوني شخص على حدودها مباشرة، لأن ذلك سيتسبب لاحقاً في أزمة حتمية”.
وتابع المصدر أن “رسائل الخلاف والغضب بين الجانبين المصري والإسرائيلي تعددت خلال الساعات الماضية”. وأشار إلى أنه “في أعقاب الموقف المصري، أوقفت حكومة الاحتلال إمدادات الغاز الواردة من حقل تمار الإسرائيلي إلى مصر، بدعوى التهديدات الأمنية، على الرغم من عدم وجود أي من تلك التهديدات تجاه الخط الناقل لكميات الغاز المتفق عليها بين الجانبين، وذلك في محاولة صنع أزمة لمصر”.
وحول ما في يد القاهرة من أوراق يمكن استخدامها لمواجهة الموقف الإسرائيلي، قال المصدر إن “وجهة النظر المصرية تتمثل في ضرورة إدخال المساعدات إلى غزة بشكل عاجل، كون ذلك سيخفف من وطأة الضغوط على سكان القطاع بالشكل الذي لا يندفعون معه نحو الحدود مع مصر للحصول على ما يحتاجونه من غذاء وأدوية ومياه ومستلزمات معيشية”.
وتابع المصدر: “القاهرة لديها خيارات ربما ليست كثيرة لكنها موجودة، ولن تقف كثيراً عند حد الرفض الإسرائيلي لإدخال المساعدات، فهناك عدة طرق لمرور تلك المساعدات، وما لا يمر من فوق الأرض قد تضطر لتمريره من تحتها”، رافضاً الخوض في مزيد من التفاصيل بشأن تلك العبارة.
وبحسب المصدر، فقد “تلقت مصر مطالبات عدة من دول راغبة في تقديم المساعدات الإنسانية لسكان القطاع، من بينها الأردن الذي دفع بالفعل بطائرة مساعدات لا تزال محتوياتها مخزنة في العريش، وكذلك تركيا التي جرى التنسيق بشأن بدء جسر جوي لإيصال مساعداتها إلى غزة، وكذلك قطر والجزائر”.
وكشفت مصادر مصرية مطلعة على التحركات الخاصة بوقف التصعيد في قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة، أن وفداً أمنياً إسرائيلياً زار القاهرة أمس، لبحث تطورات الأوضاع في القطاع، ومناقشة المخاوف المصرية بشأن دعوات الإخلاء التي وجهها جيش الاحتلال لسكان شمال غزة.
وحذّرت مصر في بيان صادر عن وزارة الخارجية، أول من أمس الجمعة، من “مطالبة الجيش الإسرائيلي سكان قطاع غزة وممثلي الأمم المتحدة والمنظمات الدولية في القطاع، بمغادرة منازلهم خلال 24 ساعة والتوجه جنوباً”. وأكدت مصر على أن هذا الإجراء “يعد مخالفة جسيمة لقواعد القانون الدولي الإنساني، وسوف يعرض حياة أكثر من مليون مواطن فلسطيني وأسرهم لمخاطر البقاء في العراء من دون مأوى في مواجهة ظروف إنسانية وأمنية خطيرة وقاسية، فضلاً عن تكدس مئات الآلاف في مناطق غير مؤهلة لاستيعابها”.
وطالبت مصر مجلس الأمن الدولي بالاضطلاع بمسؤولياته لوقف هذا الإجراء، داعية الأمم المتحدة والأطراف الفاعلة دولياً، إلى التدخل للحيلولة دون المزيد من التصعيد غير محسوب العواقب في قطاع غزة.
في المقابل، كشف دبلوماسي مصري، عن “فتح القاهرة قناة اتصال مع أطراف دولية ساعية للعب دور في الأزمة الراهنة”، مشيراً إلى أن “اتصالات جرت بين مصر وروسيا عبر مستويات رفيعة، خلال الساعات الماضية، في ظل رغبة من جانب موسكو للدخول على خط الأزمة بوجود فاعل”.
وأعدت روسيا مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي، أول من أمس، يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار بين الفلسطينيين والإسرائيليين لأسباب إنسانية. وجاء في نصّ مشروع القرار أن “مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يدعو لوقف إطلاق النار بشكل فوري ومستدام، ويمكن مراقبته بشكل كامل لأسباب إنسانية”.
كما ينص مشروع القرار الروسي على السماح بدخول المساعدات الإنسانية دون عوائق وتهيئة الظروف لإجلاء المدنيين.
وأكد مندوب روسيا الدائم لدى مجلس الأمن الدولي فاسيلي نيبينزيا، أن “قيام إسرائيل بإخلاء أكثر من مليون شخص أمر مرفوض، وأن روسيا تدين كل أشكال العنف وقتل المدنيين من كلا الطرفين”.
وبحسب مصدر آخر مطلع على التحركات المصرية، فإن “حكومة الاحتلال تعطل دخول المساعدات في إطار خطة إضعاف القطاع لأبعد درجة ممكنة، وذلك لحين تمكنها من تنفيذ هجوم برّي تتمكن خلاله من الحصول على مشهد انتصار”.
وحول التقارير التي أشارت إلى التوصل لاتفاق بين القاهرة وواشنطن بشأن استمرار تنفيذ ممر آمن لخروج الأجانب من غزة عبر مصر، أوضح المصدر أن القاهرة “بالفعل لا تمانع في تلك الخطوة، مع مراقبة تنفيذها التي تخضع للعديد من الجهات المعنية”. وأضاف: “لا تزال الضمانات المطروحة من الجانب الأميركي غير كافية”، مشدداً على أن القاهرة “تخشى أن يتم استغلال ذلك الممر كطريق لتمرير النازحين إلى سيناء، خصوصاً أن الإدارة الأميركية لم تقدم تصوراً شاملاً بشأن الخطوة ومداها الزمني”.
وتابع المصدر: “الأمر يحتاج إلى موافقة حركة حماس وفصائل المقاومة على تلك الخطوة، وهو ما يعني أنه لا بد من مقابل لها كي يحصل عليه سكان القطاع، وحتى الآن ترفض إسرائيل تقديم أي تنازلات في هذا الإطار”.