الخميس 03 فبراير 2022 20:46 م بتوقيت القدس
اعترضت الإمارات ودمرت ثلاث طائرات مسيّرة اخترقت مجالها الجوي، وهو الهجوم الرابع من نوعه خلال ثلاثة أسابيع، لكنّ فصيلاً عراقياً مغموراً، وليس جماعة الحوثي اليمنية، تبنى القصف الأخير، فماذا يحدث؟
وأصدرت وزارة الدفاع الإماراتية بياناً، اليوم الخميس 3 فبراير/شباط 2022، قالت فيه إنها اعترضت ودمرت ثلاث طائرات مسيّرة اخترقت مجالها الجوي فجراً بعيداً عن المناطق المأهولة بالسكان: “أكدت الوزارة أنها على أهبة الاستعداد والجاهزية للتعامل مع أية تهديدات، وأنها تتخذ كافة الإجراءات اللازمة لحماية الدولة من أي اعتداء”.
الهجوم هو الرابع من نوعه منذ بدأت جماعة الحوثي اليمنية، المدعومة من إيران، الإثنين 17 يناير/كانون الثاني، في قصف العمق الإماراتي باستخدام طائرات بدون طيار وصواريخ بالستية تسببت في مقتل 3 أشخاص وإصابة 6 آخرين وأوقعت أضراراً مادية في محيط مطار أبوظبي ومنطقة مصفح الصناعية، ومثلت تهديداً لقاعدة الظفرة التي تستضيف قوات أمريكية.
وكرر الحوثيون هجماتهم الصاروخية ضد أبوظبي ودبي، متوعدين باستمرار القصف حتى تتوقف الإمارات عما يقولون إنه “عدوان على اليمن”، في إشارة إلى مشاركة ألوية العمالقة المدعومة إماراتياً في المعارك المشتعلة في محافظات شبوة ومأرب شمال ووسط اليمن.
من الذي أطلق المسيّرات هذه المرة؟
بيان وزارة الدفاع الإماراتية لم يذكر الجهة التي أطلقت الطائرات المسيّرة التي تم اعتراضها فجراً، كما لم يصدر عن جماعة الحوثي بيانات أو تصريحات تتبنى الهجوم، كما جرت العادة في الهجمات الأخيرة.
لكنّ فصيلاً عراقياً مغموراً يُسمي نفسه “ألوية الوعد الحق” تبنى المسؤولية عن إطلاق الطائرات المسيّرة، حسبما أفادت مجموعة سايت للاستخبارات، ومقرها الولايات المتحدة، التي تتابع المواقع الإلكترونية للميليشيات المسلحة.
وقال بيان نشر باسم فصيل “ألوية الوعد الصادق.. أبناء الجزيرة العربية” وتداولته حسابات محسوبة على الفصائل العراقية المقربة من إيران على مواقع التواصل الاجتماعي: “قام أبناء الجزيرة العربية فجر اليوم بتوجيه ضربة إلى” الإمارات “بواسطة 4 طائرات مسيرة استهدفت منشآت حيوية في أبو ظبي”.
وتوعد الفصيل بتوجيه ضربات أخرى قائلا، “ستستمر ألوية الوعد الحق بتوجيه الضربات الموجعة إلى أن ترفع (…) الإمارات يدها عن التدخل في شؤون دول المنطقة وفي مقدمتها اليمن والعراق. ستكون الضربات القادمة أشد وقعا وإيلاما”.
إعادة 30 ألف مقاتل إلى الحشد
الفصيل أو الجماعة نفسها كانت قد تبنت هجوم آخر قبل أكثر من عام وذلك في يناير كانون الثاني 2021، عندما قالت إنها أطلقت طائرة مسيّرة نحو السعودية، بحسب تقرير لرويترز.
ويقول بعض المحللين إنه إذا تأكد إعلان ألوية الوعد الحق المسؤولية سيكون ذلك بمثابة تحول في عنف الفصائل التي تسعى لمساعدة إيران ضد الغرب ودول الخليج العربية
وقال مايكل نايتس من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في تغريدة على تويتر: “إذا كانت ألوية الوعد الحق قد خرجت من كمونها ونفذت بالفعل هجمات بطائرات مسيّرة على الإمارات.. فإن هذه العملية إما تكون بتوجيه من إيران أو على الأقل سمحت بها إيران”.
ويعتبر دخول فصائل عراقية على خط التصعيد الحالي تطوراً خطيراً، فالتصعيد الحوثي ضد الإمارات كان غير مسبوق وجاء في إطار الحرب في اليمن، والتي تعتبر الإمارات أحد أطرافها كونها ضمن التحالف العربي الذي تقوده السعودية ويحارب الحوثيين الذين انقلبوا على الحكومة الشرعية عام 2014.
وكان الحوثيون يركزون هجماتهم عبر الحدود على السعودية لكنهم مدّوا تلك الهجمات إلى الإمارات بعد أن انضمت قوات يمنية مدعومة من الإمارات لمقاتلة الحوثيين في أقاليم منتجة للنفط. والحديث هنا عن ألوية العمالقة والانتصارات التي حققتها في شبوة ومأرب.
هل تحولت الإمارات إلى ساحة للحرب بالوكالة؟
استهداف الإمارات من جانب فصيل عراقي هذه المرة يأتي بعد ساعات من إعلان واشنطن أنها سترسل مدمرة أمريكية وطائرات مقاتلة من الجيل الخامس إلى الإمارات للمساعدة في التصدي لهجمات الحوثيين، وبعد يومين فقط من الهجوم الثالث للحوثي والذي تزامن وجود الرئيس الإسرائيلي هيرتسوغ في أبوظبي.
كان وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن قد أبلغ ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد في اتصال هاتفي، الثلاثاء، أن واشنطن سترسل المدمرة يو.إس.إس كول المسلحة بصواريخ موجهة لمرافقة البحرية الإماراتية قبيل زيارة السفينة لأبوظبي، بحسب رويترز.
وقالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) في بيان: “أبلغ الوزير ولي العهد أيضاً بقراره نشر طائرات مقاتلة من الجيل الخامس لمساعدة الإمارات في مواجهة التهديدات الحالية، وكرسالة واضحة على أن الولايات المتحدة تقف مع الإمارات كشريك استراتيجي طويل الأمد”.
وبالإضافة إلى نشر طائرات من الجيل الخامس وتواجد المدمرة “يو إس إس كول” في ميناء أبوظبي، ستواصل الولايات المتحدة توفير الإنذار المبكر للجانب الإماراتي لمواجهة التهديدات الحالية، بحسب بيان البنتاغون.
ونشر موقع Axios الأمريكي تقريراً كشف فيه عن زيارة وفد أمني إسرائيلي إلى أبوظبي للتباحث حول نقل أنظمة دفاع صاروخي متقدمة إلى الإمارات، في تأكيد لما كانت وسائل إعلام إسرائيلية قد نشرته حول سعي إسرائيل للاستفادة من التصعيد الحالي ضد الإمارات ونشر نظام دفاع صاروخي إقليمي يمكّن تل أبيب من وجود إنذار مبكر ضد أي تهديد صاروخي مصدره طهران.
الإمارات
أمريكا سترسل مُدمرة وطائرات من الجيل الخامس لحماية الإمارات من هجمات الحوثيين – Getty Images
وكان وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان ونظيره الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد قد تحدثا هاتفياً الأربعاء، وأبلغ الوزير الإيراني نظيره الإماراتي بأن “الوجود الإسرائيلي في المنطقة يشكل تهديداً للجميع”، مشيراً إلى ضرورة بذل الجهود لمنع إسرائيل من الحصول على موطئ قدم في المنطقة، بحسب بيان صادر عن الطرف الإيراني.
يأتي هذا في الوقت الذي تسعى فيه الإمارات إلى فتح “صفحة جديدة” مع إيران، في إطار تغيير كبير في السياسة الخارجية الإماراتية بدأ منذ نهاية رئاسة دونالد ترامب وفوز جو بايدن بالرئاسة في انتخابات 2020، إذ زار ولي عهد أبوظبي تركيا أواخر العام الماضي ليتم طيّ صفحة سنوات من العداء بين البلدين.
هل لإيران دور في استهداف الإمارات؟
إيران لم تعلق بشكل مباشر على القصف الحوثي المتكرر للإمارات، كما لم تعلق على دخول الفصيل العراقي المغمور على خط استهداف أبوظبي، علماً بأن الحوثيين والفصيل المذكور مدعومان من طهران أو ربما “يأتمران بأمرها ولا يقدمان على أي خطوة دون ضوء أخضر منها على الأقل”، بحسب أغلب المحللين.
وخلال الاتصال بين عبد اللهيان وبن زايد، قال الوزير الإيراني إن طهران “تعتقد أن استمرار الحرب (في اليمن) وانتشار الخلافات ليس في مصلحة أي من الطرفين أو المنطقة”.
بينما أشار البيان الإيراني إلى أن الوزير الإماراتي أكد أن “حكومة بلاده جادة في تطوير علاقاتها مع إيران، وترى ضرورة استمرار المحادثات الثنائية في مختلف المجالات. نحاول تشجيع جميع الأطراف اليمنية للتوصل إلى حل سياسي بدعم من الأمم المتحدة”.
لكن بعيداً عن التصريحات الدبلوماسية، التي لا تنفي وجود مصالح متضاربة بطبيعة الحال، يرى بعض المحللين أن الإمارات وجدت نفسها الآن ساحة للصراع الأوسع بين إيران وجيرانها من الدول العربية، وهو ما يفسّر دخول فصيل عراقي على خط القصف الحوثي للعمق الإماراتي.
ويرى فريق من المحللين أن “ألوية الوعد الحق” مجرد تمويه تستخدمه ميليشيات الحشد الشعبي التابعة لإيران، وأبرزها حزب الله العراقي وألوية عصائب أهل الحق، تفادياً لتحمّل المسؤولية وتأسيساً للإنكار إذا ما خرجت الأمور عن السيطرة.
ويرى أصحاب هذا الرأي أن ذلك الهجوم جاء على الأرجح بأمر مباشر من طهران، وأن المقصود بالرسالة هو تل أبيب وليس فقط أبوظبي. والرسالة هنا تحذير من أن التقارب مع إسرائيل له ثمن فادح ستدفعه الإمارات من خلال استهداف أعز ما تملك وهو الاقتصاد. أي أنه حتى لو لم تتسبب المسيّرات في أضرار حقيقية فإنها تعمق من حالة عدم الاستقرار التي بدأت مع القصف الحوثي الأول.
وكانت وزارة الخارجية الأمريكية قد حثت مواطنيها في يناير/كانون الثاني الماضي، على إعادة النظر في خطط السفر إلى الإمارات بسبب التهديدات الماثلة جراء هجمات صاروخية وأخرى بطائرات بدون طيار. كما حذرت السلطات البريطانية من احتمال وقوع المزيد من الهجمات.
وبالتالي فإن تورط إيران، بصورة أو بأخرى، في الهجمات على الإمارات يظل احتمالاً وارداً، في ظل الحرب الدائرة بالفعل بين طهران وتل أبيب، ما يشير إلى أن أبوظبي قد بدأت تتحول إلى ساحة للحرب بالوكالة بين إسرائيل وإيران.