مرّ أسبوع منذ أن أعلنت الرئاسة التونسية في بيانها المقتضب أن الرئيس قيس سعيّد سيتوجه ببيان للتونسيين قريباً. ومرّ أكثر من أسبوع منذ أن صرّح سعيّد بأنه سيعلن عن الحكومة في الأيام المقبلة، ولكن ذلك لم يتم لغاية الآن على الرغم من حجم الانتظارات والتحديات المطروحة على البلاد، خصوصاً على المستويين الاقتصادي والاجتماعي.
والتقى سعيّد مساء أمس الإثنين، نائب رئيس مجموعة البنك الدولي لشؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فريد بلحاج، وتطرّق اللقاء إلى الوضع الاقتصادي في تونس والالتزامات المالية، فضلاً عن بحث آليات التعاون المستمرّ مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الدولية الأخرى.
ووجّه سعيّد، من خلال ضيفه، رسائل إلى المؤسسات المالية الدولية، تتضمن تبريرات لقراراته التي أعلن عنها، وعزمه مقاومة الفساد في البلاد، وترشيد الحوكمة في موارد البلاد، مؤكداً تمسكه بالحريات والقانون. وقال سعيد لضيفه: “الدولة التونسية كانت على وشك الانهيار، وهناك من تآمر مع بلدان أجنبية لضرب الدولة التونسية والتجأ إلى شركات أجنبية للقيام بحملات ضد تونس”، مشيراً إلى أن هناك سعياً لتصوير تونس على أساس أنها تحولت إلى مشانق واعتقالات غير قانونية”. وتابع قائلاً: “يقدمونني كمستبد، وكل ذلك ادعاءات”.
وتواجه تونس بلا حكومة، تحديات كبيرة أمام خزينة فارغة، بينما يصرّ الرئيس على أن دواليب الدولة تسير بشكل طبيعي.
وقال الخبير الاقتصادي ووزير التجارة السابق، محسن حسن، إن “تأخر الإعلان عن تشكيل حكومة يزيد في ضرب عامل الثقة بين السلطة السياسية، والمتعاملين الاقتصاديين، وشركاء تونس الماليين في الداخل والخارج”.
وأكد حسن في تصريحات صحفية، أن المؤسسات المانحة في وضع ترقب، وتحتاج إلى رسائل إيجابية من أجل مواصلة تمويل اقتصاد تونس، وتوفير الموارد المالية اللازمة للموازنة التي تشكو عجزاً قياسياً”. وأضاف أن “مناخ الاستثمار يتطلّب توفر عوامل الاستقرار السياسي والشفافية من أجل المحافظة على موقع تونس ضمن خارطة الاستثمارات الدولية”.
كذلك، أوضح حسن أن “تواصل تعطيل المصالح الإدارية، وعدم تعيين رئيس حكومة، يتسبّبان في تراخي المرفق الإداري بسبب غياب المسؤول الأول الذي تعود له صلاحيات أخذ القرارات الكبرى”، مشيراً إلى أن “رئيس الحكومة يشرف على المجالس ولجان الصفقات العليا، وغيابه سيتسبب في مزيد من التعطيل للمشاريع الاستثمارية العمومية”، معتبراً أن “اقتصاد تونس يحتاج في الظرف الحالي إلى كلّ محركاته من أجل استعادة النمو وتفادي مزيد من الارتفاع في نسب البطالة والفقر”.
ويرى حسن أن “الإرادة السياسية ضرورية لمكافحة الفساد والرشوة، والقيام بالإصلاحات الاقتصادية اللازمة، غير أن ذلك يتطلّب أداة تنفيذ عبر حكومة فاعلة، وقادرة على قيادة المرحلة الحالية والخروج بالبلاد من المأزق الاقتصادي والاجتماعي”، وفق قوله.
في جانب آخر، يبدو أن صبر المنظمات الكبرى بدأ ينفد، خصوصاً الاتحاد العام التونسي للشغل، حيث شدد المتحدث الرسمي باسم الاتحاد، سامي الطاهري، على أهمية الإسراع بتقديم خارطة الطريق وتعيين رئيس الحكومة.
وكتب الطاهري على صفحته في “فيسبوك”: “إما وضوح وخارطة طريق، أي خارطة طريق حسب علوم السياسة وليس الجغرافيا، وحكومة، أي حكومة سمِّها ما شئت، والمزيد من الحقوق والحريات والضمانات واحترام الدستور، أو البربرية، وكل تأخير أو انحراف هو فرصة للمافيا”.
ويفسر متابعون تردّد الرئيس بشأن الحكومة بأسباب كثيرة، من بينها أنه لا يزال يبحث عن شخصية يثق فيها تماماً، ولا يتكرر معها سيناريو هشام المشيشي، ويريد أن يختار بنفسه أغلب أعضائها قبل تعيين رئيسها لأنه أصبح المسؤول الوحيد عن نجاحها أو فشلها، في ظروف اقتصادية واجتماعية معلومة للجميع، تتضاءل فيها فرص النجاح بشكل كبير.