أثارت دعوات شيخ قبيلة “البكارة” السورية نواف البشير، في مناطق شرق نهر الفرات، لتشكيل قوات وهيئة سياسية للقبائل، مجهزة بالسلاح بالتعاون مع النظام السوري لمواجهة قوات ما يعرف بسوريا الديمقراطية “قسد” والولايات المتحدة، تساؤلات عن قدرة هذا المكون على المواجهة، واعتباره ورقة جديدة بيد الإيرانيين والروس.
وقال البشير في لقاء مع صحيفة “الوطن أون لاين” التابعة للنظام، إن العشائر “يمكن أن تقوم بمقاومة مسلحة ضد قسد والأمريكان، إذا دعمت بالعتاد والسلاح وشكل مجلس قبائل لقيادتها”.
ودعا في الوقت ذاته إلى “حرب تحرير” لمنطقة شرق الفرات، بالتنسيق ما بين القبائل والنظام، وبسط سيطرة هيئة سياسية للقبائل على المنطقة لحين دخول قوات النظام ورفع العلم فيها”.
وجاءت دعوة البشير، في ظل التوتر الذي شهدته المنطقة خلال الأيام القليلة الماضية، بين “قسد” والسكان، بعد اغتيال عدد من الرموز العشائرية، ومنهم أحد رموز عشيرة البورحمة التي تنتسب للبكارة، علي الويس، وشيخ عشيرة العكيدات، مطشر الهفل، برصاص مجهولين”.
وأثارت الاغتيالات غضبا واسعا بين أفراد العشائر، واتهموا قوات “قسد” التي تسيطر على المنطقة، بالمسؤولية عنها، ودعوا إلى وقفة بوجههم.
وتعد قبيلة البكارة، واحدة من كبرى القبائل السورية، والتي تمتد في بلاد الشام، وسبق لشيخها إعلان الوقوف بوجه النظام السوري، والانضمام إلى صفوف المعارضة، والدعوة إلى الانتفاض ضده وضد قوات النظام عام 2011.
لكن البشير عاد عام 2017 إلى دمشق، بوساطة إيرانية وفقا لمعارضين سوريين، وقدم الاعتذار للنظام على موقفه السابق، وبرره بأنه “ناتج عن سوء تقدير”.
ضغط على الأرض
المحلل العسكري العميد أحمد الرحال قال إن دعوات البشير ليست جديدة، “منذ انقلابه على المعارضة، وإنشائه تشكيلات عسكرية في البوكمال والميادين”.
وأضاف الرحال، في حديث صحفي، “تشكيلات البشير من المقاتلين يصل قوامها إلى ألفي عنصر، وتعرضت للاستغناء عنها من طرف إيران، بعد اكتشاف عمليات فساد وسرقات، واستبدلت بتشكيل أسود العشائر”.
لكن الجديد بحسب المحلل العسكري، هو “سعي إيران وروسيا، للتغلغل في منطقة الجزيرة، وتصدير فكرة وجود مقاومة شعبية، لخلق ضغط على الوجود الأمريكي في شرق الفرات”.
ولفت إلى أن الوضع الاقتصادي الصعب والضاغط، في تلك المناطق، يدفع “لاستقطاب الشبان للعمل العسكري، بعيدا عن فكرة رفض النظام والثورة، بالإضافة لممارسة قوات قسد” مشيرا إلى “وجود أسباب أخرى للاستقطاب منها العصبيات العشائرية، والتشيع الذي يدعو له نواف البشير، بعد إقامة إيران عددا من المواقع التي أطلقت عليها مسمى حسينيات، لتعميق الأزمة في سوريا مذهبيا”.
ورأى أن هذه المجموعات، يمكن أن تشكل ضغطا على الولايات المتحدة، في حال نفذت عمليات ضد قواتها، أو اشتبكت مع “قسد”، ولفت إلى عملية تفجير وقعت في الشدادي قبل مدة، وألحقت خسائر في صفوف القوات الأمريكية.
وأضاف: “الأمريكان ليسوا مثل الروس والإيرانيين، يمكن أن يتقبلوا فكرة الاستنزاف، وليسوا بوارد الدخول في هذه الدوامة، لذلك في الوقت الذي يشعرون أن تلك المليشيات يمكن أن تسبب لهم خسائر كبيرة، سيتحركون على غرار ما جرى لقوات فاغنر قبل أعوام حين أحرقتها الطائرات الأمريكية في دير الزور، وهو ما يمكن أن يجري لقوات نواف البشير”.
وأعرب عن اعتقاده أن تشهد الفترة المقبلة مناوشات بين المجموعات العشائرية، وقوات “قسد”، بدعم إيراني وروسي، لكنه قال في الوقت ذاته “أن إيران ستنفض يدها عنهم في حال تحركت الولايات المتحدة بقوة ضدهم”.
العشائر بوضع صعب
من جانبه قال المحلل السياسي وعضو الائتلاف السوري، محمود عثمان، إن هناك صراعا على أوجه في شرق الفرات، بعد فرض أمريكا أمرا واقعا بوضع يدها على المكان، ومحاولات الروس السيطرة عليها، باعتبارها خزان البترول والموقع الاستراتيجي، والسلة الغذائية لسوريا.
وقال عثمان في تصريحات صحفية، منطقة الجزيرة ذات التركيبة العشائرية، مهمة كذلك لطهران باعتبارها الخط الرابط بينها وبين بيروت، وهي جزء من الصراع مع الأطراف الأخرى، للسيطرة عليها، ولذلك محاولاتها تجنيد أبناء المنطقة، تأتي من هذا الاتجاه.
وأشار إلى أن هذه التشكيلات بالمنطقة، ليست الأولى، وكل يوم نسمع عن مجموعات عشائرية تتكون، ويعاد تفكيك مجموعات أخرى عسكرية أو مدنية حتى، وهو ما يعكس حجم الصراع، على المنطقة الحيوية والحساسة ضمن سوريا.
وأضاف عثمان: “هناك حالة شد وجذب، والأمر لا ينحصر بطرفين للصراع، والا لانحازت العشائر لجزء منها، لكنها في موقع لا تحسد عليه، وتدفع ثمن التجاذبات الإقليمية والدولية، ووقعت اغتيالات خلال الفترة الماضية على يد قسد”.
وتابع أن “القوى الاقليمية الدولية كلها تحاول استخدام ورقة العشائر، كل حسب مصالحه، والمسؤولية الكبرى تتحملها مليشيات حزب العمال الكردستاني وأمريكا، الذين يريدون فرض أمر واقع، وأدخلوا تلك العشائر في معادلات صعبة، رغم أن الوقوف بصف إيران لن يكون في صالحهم مستقبلا”.
وبشأن اتجاه نواف البشير لصف إيران وروسيا، قال عثمان: “ممارساته السابقة، لم تجعله في موضع ثقة لا للولايات المتحدة، ولا لتركيا، بعد أن أعطى وعودا قبل عودة للنظام، وتنصل منها، وخاصة أنه أعلن التشيع قبل مدة، من أجل التقرب من طهران والحصول على دعم منها، لذلك وضع بيضه في سلة إيران وشكل مليشيات من عشائره لخدمة مشروعها”.