أفادت صحيفة “جيروزالم بوست”، في افتتاحية لها، بأن تركيا تتحول وبشكل متزايد إلى تهديد لإسرائيل، لافتة إلى تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأن “أنقرة ستحرر الأقصى”.
ولفتت الصحيفة في تقريرها، إلى ما أسمتها التصريحات المعادية لإسرائيل، من تركيا لا سيما الصادرة عن الحزب الحاكم.
واهتمت بتصريحات الرئيس رجب طيب أردوغان، بأن “أنقرة ستقوم بعد ذلك بتحرير الأقصى”، لافتة إلى أنه خلال الأشهر الأخيرة، سعت وزارة الشؤون الإسلامية في تركيا وأصوات أخرى في الحكومة للدفع برسالة أنهم سيعملون على “توحيد الأمة الإسلامية” ضد دولة إسرائيل، وفق قولها.
وأكدت أن “تهديدات تركيا لإسرائيل ليست مجرد تهديدات لفظية، بل هي أيديولوجية أيضا”.
وانتقدت “الدعم التركي لحركة حماس”، لافتة إلى أن “أنقرة الآن في حالة من الثمل المتزايد والإدمان على العسكرة والرغبة في استخدام القوة لتحصيل ما تريده”.
وتاليا مقال الصحيفة الافتتاحي:
وباتت جوقة التصريحات المعادية لإسرائيل من قبل تركيا، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالمزج السام للغة الدينية والقومية المتطرفة الصادرة عن الحزب الحاكم، تشكل تهديداً متزايداً لإسرائيل ولاستقرار المنطقة.
فبعد أن أعلنت تركيا أنها سوف تحول متحف آيا صوفيا تارة أخرى إلى مسجد، قال الرئيس رجب طيب أردوغان إن أنقرة سوف تقوم بعد ذلك “بتحرير” الأقصى. وفي الأشهر الأخيرة، سعت وزارة الشؤون الإسلامية في تركيا وأصوات أخرى في الحكومة للدفع برسالة تزعم أنهم سوف يعملون على “توحيد الأمة الإسلامية” ضد “دولة إسرائيل”.
وتذكر اللغة الواردة من أنقرة بشكل متزايد بالطريقة التي بدأ فيها الخطاب الإيراني المعادي لإسرائيل في سبعينيات القرن الماضي ثم تحول بعد ذلك إلى تهديد وجودي ذي طبيعة نووية. وذلك أن القيادة الدينية في إيران، مثلها في ذلك مثل قيادة حزب العدالة والتنمية التركي الذي يستلهم أفكاره من جماعة الإخوان المسلمين، ترى العالم من خلال عدسة مزدوجة. فهناك “الأمة الإسلامية” ثم هناك كل ما عداها. وبالنسبة للزعماء الحاليين في كل من إيران وتركيا، يشير صعود التطرف الديني إلى رغبة في استنفار المنطقة ضد إسرائيل.
وكانت السردية على مدى سنين تقول إنه طالما كانت إيران مصدر تهديد لإسرائيل فإن أنقرة والقدس تجمعهما علاقات تاريخية. إلا أن هذه العلاقات دخلت في منعطف حاد نحو الأسوأ بعد الحرب في غزة عام 2009. منذ ذلك الحين، ما كان ذات يوم علاقة سلسة في تسعينيات القرن العشرين، تحول بشكل متزايد إلى عداوة على عدة مستويات. فهناك معاداة السامية في تركيا والنشر بشكل فاعل ونشط لنظريات المؤامرة التي تنسب إلى اليهود وإسرائيل. كما أن هناك المزيد من الاستنفار للشبكات الدينية اليمينية المتطرفة، مثل أولئك الذين كانوا من وراء أسطول مافي مرمرة، والذين سعوا من خلاله إلى كسر الحصار البحري الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة.
بالإضافة إلى ذلك فإن حكومة تركيا الحالية حليف مقرب لحركة حماس. إيران وتركيا كلاهما تدعمان حماس، بنفس القدر الذي يريان فيه الدور الأمريكي في شرق تركيا من خلال منظار معاد. كما أن تركيا وإيران كلتيهما جعلتا جيروزاليم – أو القدس كما يسمونها – مركزاً لسياساتهما الخارجية. فمثلاً، عندما نقل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب السفارة إلى القدس، كانت تركيا هي التي دعت الزعماء المسلمين إلى إسطنبول للتنديد بتلك الخطوة. لقد تصدرت تركيا لمعارضة الضم ونقل السفارة.
وهذا يعني أن تهديدات تركيا لإسرائيل ليست مجرد تهديدات لفظية، بل هي أيديولوجية أيضاً، وتشكل جزءاً من حملة دينية متزايدة تمزج بين الدعم لمجموعات مثل حماس والرغبة في ترجمة بعض الأفكار – مثل الأسطول – إلى إجراء عملي. لقد فشلت المساعي للتصالح مع تركيا، وأنقرة الآن في حالة من الثمل المتزايد والإدمان على العسكرة والرغبة في استخدام القوة لتحصيل ما تريده.
لقد سعت تركيا بهدوء لشق طرق عبر حماس في غزة وكذلك عبر بعض المجموعات الدينية في القدس الشرقية وذلك بهدف تنمية نفوذها. ووجدت بلدية القدس نفسها مضطرة مؤخراً إلى إزالة لافتة رفعتها مجموعات تدعمها تركيا في القدس الشرقية. وكان الغرض من اللافتة عمل حملة هادئة للتأكيد على مزاعم أن تركيا كانت في العهد العثماني صاحبة حق في عاصمة إسرائيل.
كما أن التهديد الأكبر الذي تشكله تركيا بات محسوساً في المنطقة، فتركيا تقصف وهي آمنة من المحاسبة مواقع داخل سوريا والعراق. وقامت مؤخراً بإرسال مرتزقة سوريين وقواتها البحرية والجوية إلى ليبيا. رغم أن هذه الحملة تبدو بعيدة عن القدس، إلا أن تركيا تحاول في واقع الأمر الاستيلاء على مساحات واسعة من المتوسط لقطع الطريق على صفقة إسرائيلية يونانية لمد خط أنابيب للطاقة تم التوقيع عليها في وقت مبكر من هذا العام.
حين يتعلق الأمر بتركيا، لم تزل الإدارة الأمريكية تعاني من وجود نقطة عمياء. لم تأل جهداً عناصر مناصرة لأنقرة داخل وزارة الخارجية الأمريكية في استرضاء أجندة تركيا المتطرفة، متساهلة مع احتضانها لحماس ولغيرها من الإرهابيين، ولم تزل إسرائيل تحذر من قول أي شيء إزاء ذلك.
ثمة ما يثبت أن وجود قوة متطرفة لا تخضع للمحاسبة والمساءلة في المنطقة سوف يؤدي بها دوماً في نهاية المطاف لأن تصوب عينيها نحو مهاجمة إسرائيل. كان جمال عبدالناصر يقوم بذلك الدور في خمسينيات القرن الماضي، ثم انتقل الأمر بعد ذلك إلى آيات الله في إيران. وقد ينتقل ذلك على المدى البعيد إلى تركيا – فيما لو استمر العالم الغربي في إغفال اعتداءاتها المتزايدة على جيرانها، وسحقها للمعارضة، وخطابها المعادي لإسرائيل، وتركها دون رقيب ولا حسيب.