الاحد 09 يونيو 2019 08:46 م بتوقيت القدس
تقيم الإمارات والكيان الإسرائيلي علاقات سرية، يجري الكشف عن بعض تفاصيلها بين الحين والآخر. ويتضح أن العلاقة التي تديرها "إسرائيل" مع الإمارات هي من خلال وزارة الحرب، وشركات التصدير الأمني، بما يدر أموالا طائلة على الشركات الأمنية ورجال الأعمال الإسرائيليين، وغالبيتهم أمنيون سابقون.
وضمن هذه الشركات كانت شركة "إلبيت" و"الصناعات الأمنية" و"NSO" و"فيرنيت" و"لوجيك" و"ملاطيم إيروناوتيكس"، وشخصيات أمنية مثل دافيد ميدان وماتي كوخافي وعاموس ملكا وإيتان بن إلياهو وغيرهم. وضمن ما شملته هذه العلاقات السرية بيع تكنولوجيا إسرائيلية حديثة، أمنية واستخبارية أساسا.
وكان رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قد تفاخر بالتعاون مع دول عربية لا تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، باعتبار أنها تجني من بيع الأسلحة والأجهزة الاستخبارية أرباحا أخرى غير الأرباح المادية، وبضمنها "إهمال الانشغال بالقضية الفلسطينية بما يعطي إسرائيل الضوء الأخضر لتفعل ما تشاء"، بحسب تحليلات إسرائيلية.
ما أشارت إليه صحيفة "نيويورك تايمز" في تقريرها عن نفوذ ولي العهد الإماراتي، محمد بن زايد، والعلاقات السرية مع إسرائيل التي شملت بيع الإمارات أجهزة استخبارية للتجسس وتطوير طائرات "إف 16" هو جزء صغير من عالم بأكمله يلقي الضوء على طبيعة وعمق العلاقات السرية بين إسرائيل وأبو ظبي، والتي يمكن من خلالها الوقوف على العلاقات مع دول عربية أخرى لا تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.
وأشار التقرير إلى بن زايد كمن جعل بلاده ذات نفوذ في الشرق الأوسط، وحولّها أيضا إلى مصدر لعدم الاستقرار. كما أشار إلى التعاون بين الإمارات وإسرائيل، شمل بيع عتاد استخباري (للتجسس) انطلاقا من مصالح مزدوجة، بينها "العداء لإيران، والخشية من حركة الإخوان المسلمين".
وبدافع المصالح، عمل بن زايد في العقدين الأخيرين على شراء أسلحة وعتاد أمني بمئات المليارات من الدولارات، وخاصة من الولايات المتحدة. وعلى هذه الخلفية بدأت علاقاته مع إسرائيل، بحسب محلل الشؤون الأمنية في صحيفة "معاريف"، يوسي ميلمان.
ورغم أن تقرير "نيويورك تايمز" لا يشير إلى الشركة الإسرائيلية التي عملت على تطوير مقاتلات "إف 16"، إلا أن صحيفة "معاريف" أشارت إلى أن "إلبيت" وأيضا "الصناعات الجوية" تنشطان في هذا المجال. واستنادا إلى تجارب الماضي، وبسبب "الحساسية السياسية الأمنية للزبون"، باعتبارها دولة عربية لا تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، يمكن الافتراض أن مثل هذه الصفقة كانت اتفاقا بين حكومة وحكومة، وفي هذه الحالة فإن وزارة الأمن هي التي صادقت، وفرضت على "الصناعات الجوية" و"إلبيت" العمل بشكل مشترك.
يذكر في هذا السياق أن وزارة الحرب الإسرائيلية كانت قد عملت، بواسطة الشركتين، على تطوير طائرات لكولومبيا، وكذلك في اقتراح تطوير طائرات "إف 16" لكرواتيا، ولكن الصفقة الأخيرة ألغيت بسبب معارضة الإدارة الأميركية، حيث أن بيع أو تزويد عتاد لمنظومات أسلحة أميركية يقتضي مصادقة واشنطن، ما يعني أن واشنطن قد وافقت على تطوير طائرات أبو ظبي، بسبب العلاقة التي تجمع بن زايد مع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب.
أما بالنسبة للعلاقات الاستخبارية بين الطرفين، فقد سبق وأن تحدثت تقارير عن قيام شركة "NSO" من هرتسليا ببيع أبو ظبي برنامج "بيغاسوس" للتجسس الذي يتيح اختراق الهواتف النقالة وسرقة معلومات منها والتجسس على صاحب الجهاز، علما أن تقارير منظمات حقوق الإنسان أشارت إلى أن زعماء الإمارات يعملون ضد كل من يعارض النظام أو يطالب بحقوق الإنسان، ولا يترددون بخرق هذه الحقوق أو المس بها.
يشار إلى أن اسم شركة "NSO"، والتي تحظى بدعم وزارة الحرب الإسرائيلية، قد ارتبط أيضا بأجهزة استخبارية أخرى في العالم، وخاصة المستبدة مثل ميانمار. وفي المكسيك ارتبط اسم الشركة بمقتل صحفي.
وكشف تقرير "معاريف" عن شركة إسرائيلية أخرى مقرها في هرتسليا باعت أجهزة استخبارية لأبو ظبي، وهي شركة "فيرينت"، والتي تصدر أجهزة تتيح التنصب ومعالجة المعطيات.
كما أشار التقرير إلى أن العلاقات مع أبو ظبي بدأت سرا قبل نحو عقدا ونصف، وبرعاية الأجهزة الأمنية الإسرائيلية التي فرضت تعتيما عليها، وكشف عنها لاحقا رجل الأعمال الإسرائيلي، ماتي كوخافي، في محاضرة في سنغافورة، حيث تفاخر بأن شركاته في سويسرا، وشركته "لوجيك" في إسرائيل، فازت بعقود ضخمة مع أبو ظبي لتزويدها بعتاد في المجال الأمني، وبضمنها حماية عمليات التنقيب عن النفط والغاز.
وتبين أن كوخافي يقوم بتشغيل كبار المسؤولين من "الصناعات الأمنية" وأجهزة الأمن الإسرائيلية، وبضمنهم رئيس الاستخبارات العسكرية (أمان) الأسبق، عاموس ملكا، وقائد سلاح الجو الأسبق، إيتان بن إلياهو.
وتبين أيضا أنه في أوج أعماله مع الإمارات، كان ينقل عشرات "المهنيين" الإسرائيليين بطائرة خاصة إلى قبرص، ومن هناك إلى أبو ظبي حيث كان يجري إسكانهم في حي فخم منفصل، ويعملون على مناوبات لمدة أسبوع أو أسبوعين.
وبعد أن تمكن كوخافي من صنع ثروة ضخمة من عمله في الإمارات، فقد مكانته هناك وأوقف عمله. واحتل مكانه رجل الأعمال آفي ليئومي أحد مؤسسي شركة "ملاطيم إيروناوتيكس" التي تعمل اليوم في قبرص، والمسؤول السابق في "الموساد"، دافيد ميدان، الذي كان ممثل رئيس الحكومة الإسرائيلية لشؤون الأسرى والمفقودين كما أدار المفاوضات بشأن الجندي الإسرائيلي غلعاد شاليط، وأشغل في السابق منصب رئيس شعبة "تيفيل" المسؤولة عن العلاقات مع الدول العربية والإسلامية التي لا تقيم إسرائيل علاقات دبلوماسية معها.
وفي إطار عملهما، يمثل ليئومي وميدان الصناعات الجوية الإسرائيلية في أبو ظبي. وبسبب الأموال الضخمة التي تتدفق من هذه الصفقات مع أبو ظبي، فقد وقعت صراعات بين الأطراف وصلت إلى المحاكم، وبعضها لا يزال قيد التداول حتى اليوم.
وأشار مليمان إلى نقطة تماس أخرى بين إسرائيل وأبو ظبي، وذلك في حقيقة كون سلاح طيران الأخيرة ينشط بين الحين والآخر في سيناء لمساعدة قوات الأمن المصرية، بداعي الحرب على "تنظيم ولاية سيناء" الذي أعلن ولاءه لتنظيم "داعش".
كما أشار إلى أن تقارير كثيرة تحدثت عن مساعدة إسرائيل للرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في سيناء، وذلك من خلال المعلومات الاستخبارية والهجمات التي تنفذها طائرات مسيرة.
وينشط سلاح الجو الإماراتي أيضا إلى جانب قوات جنرال الحرب، خليفة حفتر، الذي يخوض حربا ضد الحكومة الليبية المعترف بها، للسيطرة على العاصمة طرابلس. وبحسب "إنتيليجانس أونلاين" الفرنسية، فإن ممثلي حفتر اجتمعوا مع ممثلين عن الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية.
يذكر أن رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، يكثر من التفاخر بأن إسرائيل تمكنت من تحقيق تعاون مثمر مع "الدول السنية"، وأهمها أبو ظبي والسعودية والبحرين والمغرب، إضافة إلى الأردن ومصر.
وبحسب التقرير، فإن جل هذا التعاون يتركز في المجالات الاستخبارية وبيع الأسلحة، وغالبا ما يتم ذلك سرا، إلا أنه يجري الكشف عنه بين الحين والآخر في وسائل الإعلام الدولية.
وكتب ميلمان أن نتنياهو يكتفي بهذا التعاون، حيث أن "تعاون الدول السنية قد جعل بيع الأسلحة والمعلومات الاستخبارية ثمنا لإهمال الانشغال بالقضية الفلسطينية، ويمنح إسرائيل الضوء الأخضر لتفعل ما تشاء".
ورفض كل من وزارة الحرب الإسرائيلية و"إلبيت" و"الصناعات الجوية" التعقيب على ما ورد في التقرير.