الجمعة 19 ابريل 2019 13:40 م بتوقيت القدس
يبدو أن إقدام سيدة سورية (32 عاما) من سكان المخيم على إحراق نفسها مطلع العام الجاري بسبب معاناة أبنائها من الجوع، لم يكن رسالة قوية بما فيه الكفاية لدفع العالم إلى التحرك لإنقاذ الآلاف ممن تقطعت بهم السبل في الصحراء، ووجدوا أنفسهم داخل بلادهم بين مطرقة وسندان المتصارعين.
"إذا تصارع فيلان كبيران فإن الحشائش هي التي تعاني"، مثل أفريقي ينطبق على واقع مخيم الركبان للنازحين السوريين في المنطقة المحرمة بين الأردن وسورية، والذي تحول، بحسب مراقبين، إلى ساحة صراع جديدة بين واشنطن وموسكو.
"الركبان" الذي بات يطلق عليه "مخيم الموت"، والواقع في المنطقة الحدودية مع الأردن من الجهة السورية، ويمتد على طول 7 كيلومترات بين البلدين، هو مخيم عشوائي لا تديره جهة بعينها، سواء من الجانب السوري أو الأردني، ويضم حاليا قرابة 45 ألف نازح سوري، كانوا ينتظرون السماح لهم بدخول الأراضي الأردنية هربا من الحرب.
سكان "الركبان" المنسيون في البادية السورية يعيشون ظروفًا إنسانية قاسية، في ظل حصار قوات النظام للمخيم، وندرة المساعدات، ورغم الحديث عن بدء عودة تدريجية لهم إلى مناطق سكناهم الأصلية داخل سورية بتنسيق روسي، فإن هواجس جمة تنتابهم من التعرض للتعذيب ولأعمال انتقامية على أيدي النظام ومليشياته.
وتدعو موسكو والنظام السوري واشنطن إلى تفكيك المخيم، فيما تشترط الأخيرة، التي تحتفظ بوجود عسكري محدود قربه، أن تجرى عملية إجلاء النازحين بالتنسيق معها ومع الأمم المتحدة، لضمان مغادرة آمنة وطوعية.
وفي 11 آذار/ مارس الماضي، اتهم النظام السوري وموسكو في بيان مشترك واشنطن بتبني "تفكير استعماري" حيال مخيم الركبان، الذي يقع قرب قاعدة التنف الأميركية. وأضاف البيان "واشنطن لا تهتم بالكارثة الإنسانية والتي تسببت بها في المخيم، وهي تحاول نقل المسؤولية على روسيا وسورية".
وتابع "من المفيد للولايات المتحدة الاحتفاظ بمخيم النازحين أكثر قدر ممكن من الوقت في التنف من أجل تبرير وجودهم غير القانوني في جنوب الجمهورية (السورية)".
في المقابل، وبتاريخ 22 من ذات الشهر، قال المتحدث الرسمي باسم الخارجية الأميركية، روبيرت بلادينو، إن "الولايات المتحدة تؤيد دعوة الأمم المتحدة لإيجاد حل مستدام لمشكلة الركبان وفقا لمعايير الحماية وبتنسيق الجهود مع كافة الأطراف المعنية، غير أن المبادرات الروسية التي تنفذ من جانب واحد لا تفي بهذه المعايير".
وأكد بلادينو عبر "تويتر"، استعداد واشنطن والأمم المتحدة لجهود منسقة لضمان المغادرة الآمنة والطوعية والواعية لمن يرغبون في ذلك.
ومطلع نيسان/ أبريل الجاري، اضطرت نحو مئتي عائلة سورية إلى مغادرة المخيم ووصلت مناطق سيطرة النظام وسط البلاد، وذلك وفق "تسوية" روسية.
ونقلت وكالة "الأناضول" التركية عن مصادر مطلعة، قولها إن العائلات التي خرجت كانت جمعيها مجبرة على ذلك، بسبب العوز والحالة الصحية المتردية لأطفالهم، حيث وصلوا إلى مراكز إيواء مؤقتة في ريف محافظة حمص، مشيرة إلى أن أغلب المدنيين القاطنين في المخيم، أعربوا عن عدم رغبتهم في الخروج منه ودخول مناطق سيطرة النظام.
إلا أن المجلس المحلي لمخيم الركبان أكد في بيان منتصف الشهر الجاري، أن النظام السوري يحتجز المئات من سكان المخيم الذين خرجوا قسرا نتيجة الحصار، ويمارس كافة أنواع التعذيب بحقهم، داعياً الأمم المتحدة للقيام بواجباتها تجاه المخيم.
وفي ذات اليوم، أعلنت الأمم المتحدة، على لسان إستيفان دوغريك، المتحدث باسم الأمين العام أنطونيو غوتيريش، عدم قدرتها على الوصول إلى "الملاجئ الجماعية" التي أقيمت في محافظة حمص، وسط سورية، لاستقبال الأهالي الذي غادروا المخيم.
الخوف من الانتقام
وفي حديث لـ "الأناضول"، قال الناطق الرسمي باسم هيئة العلاقات العامة والسياسية بمخيم الركبان، شكري شهاب، إن "النظام (السوري) يُحاصر المخيم من 10 شباط/ فبراير الماضي، ويمنع دخول المواد التموينية والغذائية إليه وحليب الأطفال، في محاولة لإجبار الأهالي للعودة قسراً إلى المناطق التي يسيطر عليها"؛ وتابع "عاد بعض الأهالي تتراوح أعدادهم بين 4 إلى 5 آلاف شخص".
وأشار في السياق ذاته إلى أنه "ما يقلق النازحون من العودة هو تحكم الأجهزة الأمنية للنظام والمليشيات بالقرار السوري، كما أننا نعلم بأن النظام سينتقم من الناس وسيعتقلهم ويجند الشباب ويزجهم بحروب لا علاقة لنا بها".
وأكد "ما نطلبه هو حماية أممية لأهالي المخيم من تعديات وحصار المليشيات وقوات النظام وفك الحصار عنا، ونقلنا للشمال السوري... نحن صابرون حتى يسقط الأسد أو حل سياسي يضمن لنا العيش الكريم في مدننا".
ولفت شهاب إلى أن "المخيم تحول لساحة صراع بين الأميركيين والروس، وأعتقد أن الكفة راجحة للأميركيين بهذا الخصوص، ولن يسمحوا للروس بالتمدد أكثر من ذلك".
معضلة أساسية
من جهته، اعتبر المحلل السياسي الأردني والخبير في العلاقات الدولية، عامر السبايلة، أن "مخيم الركبان يعد معضلة أساسية وأهم نقاط إنهاء أزمة اللجوء في الداخل السوري، وله بعد أمني ويشكل نقطة للتشارك الحدودي الأردني السوري العراقي".
واستدرك "بالتالي المخيم نقطة إستراتيجية مهمة، والإبقاء على عدم حلها هو إبقاء لعدم حل المسألة السورية، فهو ورقة أساسية في موضوع الضغط في إطار الحل السياسي مستقبلاً أو في تركيبة الوضع الجغرافي في هذه المنطقة".
ورقة مساومة
بدوره، قال الخبير في النزاعات الدولية، حسن المومني: "لا نستطيع اختزال الخلاف الروسي الأميركي فقط حول الركبان، وإنما هذا جزء من كل"، وأكد المومني أن "هناك اختلافًا حول سورية تعكسه حالة خلافية أشمل في السياق العالمي بين واشنطن وموسكو". وشدد على أن "مشكلة الركبان تكمن في أنه يقع ضمن منطقة تواجد أميركي، وفي منطقة مهمة للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة".
واعتبر "أن المخيم هو عبارة عن ورقة مساومة بين الأطراف في سياق الصراع، حيث أن المسألة ينظر إليها على أنها سياسية أمنيه أكثر منها إنسانية".
وأردف "لو أن الأطراف تعتبرها إنسانية بحته لحلت، لكن ما يحكمها هو الواقعية السياسية، وبالتالي سوف تستمر ويتم استثمارها حتى تتوصل الأطراف لاتفاق أو ضمن حل شامل في سورية".
أما بالنسبة للروس على وجه الخصوص، فاعتبر المومني أن "الوجود الروسي في سورية أعمق وأشمل سياسيًا وعسكريا، حيث استثمرت موسكو كثيرًا في هذا الوجود مدفوعًا بمصالح إستراتيجية كقوة تسعى إلى استرداد مكانتها الدولية وخاصة في المنطقة". وتابع "لذلك لها مصلحة في إنهاء الصراع بما يتلاءم مع مصالحها ومصالح حلفائها".
ولفت إلى أن "الوجود الأميركي محدود لكنه مؤثر وفعال يتم تبريره لمكافحة الإرهاب ودعم الحلفاء، وأيضا لضمان تسوية سياسية مقبولة في سورية"، معتبراً بأن "الوجود المحدود هو أداة ضغط على النظام والروس".
وبين الصراع الأميركي الروسي، تتزايد الأوضاع سوءًا داخل المخيم، المكون من مساكن 70 بالمئة منها بيوت طينية سقوفها شوادر بلاستيكية، و30 بالمئة خيام، والذي يعيش أكثر من 80 بالمئة من سكانه تحت خط الفقر.