السبت 18 اغسطس 2018 07:40 م بتوقيت القدس
قال الشيخ كمال خطيب، رئيس لجنة الحريات في الداخل الفلسطيني، إن أبرز وأخطر ملامح صفقة القرن يتمثل في سعيها لطي ملف اسمه “قضية شعب فلسطين”؛ الشعب المنكوب منذ عام 1948م، مستعينين على ذلك أيضا باستغلال الظرف الإقليمي والعالمي، وتفرد أميركا بالقوة العظمى في العالم رغم وجود بدايات لدور محوري روسي.
وأضاف في مقابلة مع موقع “ميدان” التابع لشبكة الجزيرة، أن “ملامح الصفقة تلك، بدأت تنجلي بالخطوة التي قام بها ترمب عقب نقله السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، بالتالي، إعلان القدس عاصمة إسرائيل الأبدية والموحدة، مما يعني بدوره أنه لا عاصمة فلسطينية بعد هذا الحدث؛ لأنه لا دولة بعد اليوم اسمها فلسطين حتى تكون لها عاصمة اسمها القدس، وذلك وفقا لمفهوم ترمب المتماشي مع السياسة الإسرائيلية”.
وأكد أن تلك الترتيبات، لم تبقَ حبيسة الجانبين الإسرائيلي والأميركي، إنما عُرضت على قيادات عربية وافقوا عليها وباركوها، منهم ابن زايد وابن سلمان والسيسي، حسب ما صرح كونشر صهر ترمب ومبعوثه الخاص إلى الشرق الأوسط.
وحول دور بعض الدول العربية في تسهيل صفقة القرن، لا سيما الدور المشبوه للإمارات في القدس المحتلة، والذي كشف عنه الشيخ كمال في تصريحات سابقة، قال: “ليس هناك جديد لدي عما قلته في بيان أصدرته قبل شهرين تقريبا، لكن هذا لا يعني عدم استمرارية تلك الأدوار المشبوهة التي يقوم بها أفراد، ومع الأسف، تقوم بها أنظمة ودول، وتحدثت يومها عن دور الإمارات وما زلت، لا لشيء إلا لأن كثرة تكرار العناوين التي تقود في النهاية إلى الإمارات جعلنا نوقن أن هناك دورا مشبوها بل دورا تآمريًّا للإمارات في استهداف صمود القدس وصلابة موقف أهلها عبر ضخ الأموال الكثيرة. هذا يلتقي بالطبع مع ما سبق وأشرنا إليه كذلك من دور سعودي في ضخ ما يقرب من ١٥٠ مليونا تحدث عنها الملك سلمان بنفسه في قمة الظهران لما قال إنها ستخصص لأوقاف القدس، مع العلم أن أوقاف القدس هي مؤسسة من ضمن مؤسسات وزارة الأوقاف والحكومة الأردنية، فلماذا التعاطي المباشر مع أوقاف القدس تحديدا؟ ليتكشف الأمر أن القضية تتمثل باعتبارها قضية شراء ذمم ومحاولة لخلق رأي عام فلسطيني متقبل للسياسة السعودية تجاه القدس وفلسطين، والتي برزت بشكل واضح أنها ضمن المتوافقين على صفقة القرن، وعلى تهويد القدس وكونها عاصمة إسرائيل الأبدية والموحدة”.
وتابع: “شخصيا أعتز أن ما تحدثنا عنه كان سببا في حالة حذر كبيرة بين الإخوة المقدسيين من أن يقعوا في فخ وإغراء المال الإماراتي، لكن مرة أخرى، فإننا نُحذِّر من الأساليب الشيطانية وما أكثرها، لذلك لا يمكن أبدا أن يجزم أحد بأن هذا الأداء والدور قد انتهيا، بل هما مستمران باستمرار الاحتلال الذي، مع الأسف، يعتمد عناوين كثيرة من أجل الوصول لأهدافه”.
وحول رأيه في الدور التركي وتعاطيه مع قضية القدس مقابل الدور الإيراني والأنظمة العربية، قال خطيب: “إن الدور التركي يُعتبر متقدما جدا على أدوار لأنظمة عربية كثيرة، وقد ظهر ذلك ابتداء، عبر اختلاط الدم التركي بالدم الفلسطيني حينما سقط الشهداء الأتراك في العام ٢٠١٠ عبرَ محاولة كسر الحصار عن غزة، واعتداء الجيش الإسرائيلي على سفينة مرمرة وقتل الشهداء الأتراك فيها. لم تقتصر تركيا على المواقف السياسية وإنما امتد ذلك ليطال مشاريع عمرانية سمعنا وقرأنا عنها في غزة، إضافة إلى ما جرى ويجري في القدس الشريف عبر مؤسسة الأعمال الإغاثية التركية (تيكا) -الوكالة التركية للتعاون والتنسيق- التي تؤدي دورا مباركا في إعمار بيوت كثيرة ومؤسسات في القدس القديمة، وعبر التوجه الإيجابي لأعداد كبيرة من الإخوة الأتراك الزائرين للقدس الشريف، وهذا لا شك يولد بدوره حالة معنوية عند الإخوة المقدسيين، دون أن ننسى طبعا أن تركيا تحكمها علاقات دبلوماسية مع المؤسسة الإسرائيلية هي من نتاج مرحلة الحكم السابقة في تركيا”.
وأضاف: “أما إذا ما قارنَّا هذا الموقف بالموقف الإيراني الذي هو بمجمله موقف شعارات لم يُر منها شيء على أرض الواقع، بغض النظر عما يمكن أن يقال من دعم لغزة -لا أعرف حقيقته وليس لي رغبة في الحديث عنه- وإنما مهما كان هذا الدعم وأيا كان، فإنه لا يساوي شيئا مقابل ما أحدثه التدخل الإيراني في المنطقة من إضعاف ما كان يُتوقع أن يكون سندا حقيقيا للقضية الفلسطينية، وهي ثورات الربيع العربي، والدور الإيراني الذي رأيناه شاخصا بشكل واضح في سوريا؛ حيث سمعنا دائما مقولة إن هناك جيشا اسمه “جيش القدس”، وفيلق اسمه “فيلق القدس”، ولكن مع الأسف تبيَّن أنَّ الطريق إلى القدس لم يمر إلا عبرَ دمار حلب ودرعا وحمص وتشريد الشعب السوري، وهذا ولا شك إضعاف كبير وكبير جدا للذين كانوا يمكن أن يكونوا الحصن والحضن للقضية الفلسطينية”.
“قانون القومية”
وعن الدور المنوط بفلسطينيي الداخل تجاه القضية الفلسطينية، وعن مستقبل العلاقة بين فلسطينيي الداخل وفلسطينيي القطاع والضفة بعد إعلان ما يسمى “ٌقانون القومية”، قال رئيس لجنة الحريات: “كثيرا ما تحدث السياسيون الإسرائيليون عبر استنتاجات من معاهد دراساتهم عن أكبر خطأين إستراتيجيين في تاريخ إسرائيل طوال الـ70 عاما المنصرمة ألا وهما: عدم استغلال الإسرائيليين الحربَ في 1948 لتهجير جميع الفلسطينيين؛ حيث إن الـ 153 ألف فلسطيني الذين بقوا وقتها أصبحوا 1,7 مليون، وكذلك عدم استغلالها حرب عام 1967 لهدم المسجد الأقصى فيستريحوا من شوكة تقض مضاجعهم وتستطيع أن تحرّك الأمة عليهم باستمرار؛ ففي تلك السنوات كانت لديهم ظروف حرب يستطيعون تحميلها تبعات تهجير كل الفلسطينيين وهدم المسجد الأقصى لو أنهم فعلوا ذلك. أما عن علاقة فلسطينيي الضفة مع فلسطينيي الداخل والقدس تحديدا، فهي علاقة تاريخية قديمة، من الصحيح أنها لم تبدأ بشكلها الحديث إلا بعد عام 1967، يومَ بدأت أحداث النكسة التي ظُنَّ أنها شرٌّ كلها إلى أن ظهر من بين جراحها ما يسمى “إعادة التواصل مع فلسطينيي الداخل”؛ حيث عاد أهل الضفة والقدس وغزة للالتحام والتواصل فيما بينهم. كما أنَّ أهل في الداخل الفلسطيني لعبوا دورا محوريا أكثر من مرة؛ أول مرة في الانتفاضة الأولى والثانية، وذلك بالدور الإغاثي الكبير والمبارك الذي قاموا به بعيدا عن عفوية التعاطف مع الانتفاضة وأحداثها، فقد كان دورا منهجيا تمثّل في بناء مؤسسات إغاثية كانت الواحدة منها -تحديدا لجنة الإغاثة التي حُظرت بحظر الحركة الإسلامية في الـ2015- تكفل 23 ألف يتيم من أهل الضفة وقطاع غزة من قِبل كافلين من الداخل الفلسطيني. وكذلك دورهم المميز في نصرة المسجد الأقصى المبارك وترميم المصلى المرواني وافتتاحه عام 1996، ثم مسيرة البيارق ثم حالات الرباط ثم استمرار الوقوف المتقدم في ساحات المسجد الأقصى المبارك سواء في مشاريع الإعمار الحجري أم الإعمار البشري؛ إننا بعد إذ مُنعنا من الإعمار في البناء اتجهنا إلى الإعمار بالإنسان في مشاريع الرباط بالمسجد الأقصى المبارك”.
أما عن قانون يهودية الدولة، قال خطيب: “إن سن هذا القانون يعبر عن موقف ضعف من إسرائيل لا موقف قوة؛ لأنه يدل أنّ إسرائيل لا تزال إلى الآن لا تثق بنفسها ولا تثق بأنها باتت محصنة من التهجير ومن أن تُغلب أو يُنتصر عليها في أي مرحلة قادمة؛ فلذلك جاءت لتقلب الموازين حتى على المُنظِّرين الأيديولوجيين في المشروع الصهيوني “بن غوريون وبيريس” الذين حذروا من تحويل الصراع إلى صراع ديني؛ فبنغريون كان صهيونيا حتى النخاع لكنه لم يتحدث عن يهودية الدولة ليس لأنه لا يريدها، بل لرغبته بممارسة السلوك اليهودي بعيدا عن قانون يمكن أن يفتح شهية العالم للحديث عن عنصرية المؤسسة الإسرائيلية، نيتنياهو أراد أن يختزل الزمن وإذا به يقوم بتسريع وتشريع قانون يهودية الدولة، لا شك أن هذا القانون لن يغير سلوك إسرائيل عما كانت عليه قبل تشريعه لا لشيء إلا لأن أجندة القانون هي ما كان يمارس بأجلى صور العنصرية والتمييز قبل القانون من خلال ممارسات يومية تقوم بها المؤسسات الإسرائيلية. وبذلك، فإن الحديث عن يهودية الدولة يعني أن إسرائيل أعلنت أن معالم الصراع هي معالم دينية لا سياسية ولا اقتصادية ولا وطنية ولا قومية، وهم بذلك لا يستعدون 14 مليون فلسطيني ولا 400 مليون عربي، لكنهم الآن في مواجهة عقائدية حضارية مع 1700 مليون مسلم، خاصة وأن أبرز ملامح يهودية الدولة تتحدث عن القدس عاصمة إسرائيل الأبدية والموحدة وأن هذه الأرض هي أرض الشعب اليهودي وبها أقام دولته، ولليهود في العالم حق تقرير المصير. إذن، فإن تقرير المصير لليهودي وليس للفلسطيني الذي هُجّر من بلاده عام 1948، وبالتالي فإن هذا القانون أساء إلى سلوك المؤسسة الإسرائيلية وبالدرجة الأولى فضح طبيعة هذه المؤسسة بينما كان يُظن يوما أنها فعلا دولة ديمقراطية”.
وحول المخاطر الأخرى التي تتهدد القضية الفلسطينية أجاب الشيخ كمال: “المؤسسة الإسرائيلية معروفة بأنها لم تستهدف الأرض فقط، وإنما استهدفت الأرض والإنسان والتاريخ والجغرافيا، لكن دائما كان الإنسان محور الاهتمام الأول؛ لأن مسخ هوية الفلسطيني وتغيير أولوياته ومحاولة جعله يلهث فقط خلف لقمة العيش، يعني أنه سيؤخر في الأولويات قضايا كثيرة جدا، ومع الأسف أن هذا الفلسطيني تُرك وحده في الميدان لمقارعة الاحتلال لسنوات طويلة، لكن اللافت أن المرحلة الأخيرة لم تشهد مساندة هذا الفلسطيني الذي كان كما قلت لوحده، بل شهدت الآن دورا أكثر سلبية ممن كان يُنتظر أن يأتوا لمساندته، وأتحدث هنا عن الأدوار التي تقوم بها بعض الأنظمة العربية من خلال محاولاتهم لأن يكون لهم رجالات في القيادات الفلسطينية من أجل شراء ذمم وفرض أجندات لهذه الأنظمة على قيادات فلسطينية، كما يقول الخطيب. ما حصل ويحصل الآن في ظل الانقسام الفلسطيني الذي بدأ منذ العام ٢٠٠٧ حتى الآن كله يؤكد أن هناك رغبة لأطراف بأن يظل نهج أوسلو هو النهج الحاكم، رغم أنه لم يأتِ بنتيجة بل كان كارثة على الشعب الفلسطيني، وهذا جزء من التآمر على قضية شعبنا الفلسطيني باستمرار الانقسام أو بمحاولة القبول بإملاءات إسرائيلية عبر تبنيها من أنظمة عربية، ونعلم جميعا أن تهافت وهرولة أنظمة عربية لإقامة علاقات مع إسرائيل لم يكن وليد اللحظة وإنما كان موافقات وتوافقات قديمة جدا، وهي كلها تشير في النهاية إلى الرغبة بتصفية القضية الفلسطينية، إلا أن المؤسسة الإسرائيلية كونها تملك الهيمنة والسيادة فهي دائما ذهبت إلى محاولة أولا تشويه العقل الفلسطيني، بل تهويده، بل مسخ هويته، وهذا يأتي عبر مناهج التعليم، ويأتي عبر وسائل الإعلام، ويأتي عبر محاولة إيجاد مواقع لأبواق فلسطينية تردد مصطلحات الاحتلال نفسها لكن بلغة الفلسطينيين وبعادات الفلسطينيين.
وثانيا استهداف الأرض، واستهداف المؤسسات الوطنية ومحاولة تخريبها أو إقصائها، وهذا حصل بشكل واضح في القدس الشريف والداخل الفلسطيني عبر استهداف الجهات الفلسطينية الواعية لأساليب الاحتلال، وهذا يعيدنا للحديث عن حظر الحركة الإسلامية، وبالتالي الفلسطيني مستهدف حتى يقبل بالأجندة أو يرفع الراية البيضاء ويتعامل وفق منطق المهزوم الذي يجب أن يتقبل كل شيء من هذا الذي انتصر عليه”.
مقاومة شعبية
وعن وسائل المقاومة الشعبية التي يتبعها الفلسطينيون للتصدي للمخططات والإجراءات الإسرائيلية. أجاب الشيخ كمال: “إنه لا يخفى على عاقل أن مواجهتنا لمشاريع الأسرلة والتهويد هي وسائل سلمية لا نملك غيرها؛ عبر الكلمة من خلال منابرنا الإعلامية أو المساجد أو مظاهراتنا أو الحَراكات الشعبية أو المظاهرات التي استخدمها شعبنا دائما وأبدا، لكنها حتى في سلميتها كانت دائما ترقى لأن يتعامل معها المحتل الإسرائيلي بالحديد والنار، وهذا ما حصل جليًّا في العام ١٩٧٦ في يوم الأرض، وما حصل جليا في عام ٢٠٠٠ في انتفاضة الأقصى، وما حصل في مجزرة شفا عمرو في ٤/ ٨/ ٢٠٠٥، والأمثلة كثيرة على أن الشرطة تتعامل مع الفلسطيني بأنه مشبوه في المقام الأول، يُطلق عليه النار ثم بعد ذلك يتم الحديث عن براءته أو جرمه. وأهل الداخل الفلسطيني خياراتهم محدودة، ومع محدوديتها فإنه يتم محاولة خنقها والقضاء عليها، لكنَّ شعبنا عودنا دائما على الصمود وعلى الصبر وخصوصا الدور الأخير المبارك الذي قام به أهل الداخل مع أهل القدس في الهبة المباركة، هبة الرباط على أبواب المسجد الأقصى المبارك، في العام الماضي ٢٠١٧ وإفشال مشروع البوابات الإلكترونية. شعبنا الآن لا يزال على قناعة بحقه التاريخي في هذه الأرض، ولن يفرط ولن يساوم، وسيستمر بأداء ما يرى أنه يساهم في تعزيز صموده على أرضه”.