الاثنين 23 يوليو 2018 23:17 م بتوقيت القدس
أمام ارتفاع أسعار البدائل المستوردة من الخارج لمصلحة كليات الطب في مصر، راح طلاب في محافظات الصعيد يلجؤون إلى شراء جثث من الحانوتية أو “التُّربي”، مثلما يحلو للبعض أن يطلق عليه، في مقابل نحو 20 ألف جنيه مصري (نحو 1100 دولار أميركي). تجدر الإشارة إلى أنّ الثمن يختلف بحسب حالة كلّ جثة. ويشتري الطلاب الجثث قبل تعفّنها ويضعونها في مادة الفورمالين للحفاظ عليها، حتى يتمكن الأساتذة المحاضرون من استخدامها في شرحهم.
وهذه الفضيحة فجّرها عضو مجلس النواب عن محافظة قنا (جنوبي القاهرة)، اللواء خالد خلف الله، مشيراً إلى أنّ عشرات الحانوتية يتعاملون يومياً مع طلاب كليات الطب في جامعات الصعيد، خصوصاً في وقت متأخر من الليل، مستغلين عدم إضاءة المقابر وبُعد تلك المقابر عن العمران. وأشار خلف الله إلى أنّه بإمكان ما يحدث أن يفجّر أحداثاً دامية، تصل إلى حدّ قتل الطالب أو الحانوتي على أيدي أفراد عائلات المتوفى صاحب الجثة. وإذ أكد أنّ هذه الظاهرة تنتشر في الصعيد، طالب وزارة التعليم العالي بتوفير الإمكانيات من أجهزة ومعدات لطلاب كليات الطب، بدلاً من حُرمة التعدي على الموتى واستخراج جثثهم بطريقة مهينة.
وتحدّث خلف عن مقابر في الصعيد تُستخدم من قبل 60 قرية ونجع وعزبة، الأمر الذي يشير إلى إمكانية دفن ولو جثة واحدة يومياً، موضحاً أنّ أرقام هواتف الحانوتية متوفّرة لدى الطلاب الذين يعمدون إلى الحفر ليلاً بهدف استخراج الجثث من المقابر. ويضيف أنّ المتوفى تزداد قيمته المالية عند الموت مباشرة، فيسرع الحانوتية إلى بيعه. والجثة قد تُباع كاملة أو يباع بعض من أجزائها، مع العلم أنّ لكلّ جزء ثمنه.
في السياق، يقول الحانوتي محمد رسلان، في حديثه لوسائل إعلام، إنّ “نبْش القبور لاستخراج الجثث بهدف بيعها لطلاب كليات الطب ليس وليد اليوم. ويعلل الطلاب لجوءهم إلى المقابر لشراء الجثث، بارتفاع أسعار مستلزمات دراستهم المستوردة، وباضطرارهم إلى التطبيق العملي والتدرّب على تلك الجثث مثلما يؤكّد الطلاب لنا”. ويشير رسلان إلى أنّ “ثمّة حانوتية كثيرين جمعوا ثروات مالية كبيرة من تلك التجارة، وعشرات منهم يتعاملون بحرفية في عملية البيع حتى لا يُكتشف أمرهم، ومنهم من يعمد إلى توصيل الجثث “ديلفيري” إلى الطلاب مباشرة”.
من جهته، يقول م. أ. وهو طبيب محاضر في جامعة عين شمس، إنّ “ثمّة هياكل طبيعية لجسم الإنسان تُستورَد من دول شرق آسيا باهظة الثمن، كذلك فإنّ ثمّة هياكل من البلاستيك متوفّرة في متاجر التجهيزات الطبية لكنّها غير عملية. إلى ذلك، فإنّ بعض المعامل (المختبرات) الطبية في كليات الطب وكذلك بعض الطلاب يحصلون على جثث مجهولة الهوية من المشرحة بعد إذن من النائب العام لنقلها إلى مشرحة الجامعة، بالإضافة إلى جثث المحكوم عليهم بالإعدام”.
ويوضح الطبيب المحاضر نفسه، في تصريحات صحفية، أنّ “طبيعة الدراسة في الكلية والتخصصات المتعلقة بجسد الإنسان جعلتا الطلاب في خانة الاتهام، إذ إنّهم يلجؤون إلى شراء الجثث من المقابر بهدف التدرّب عليها، خصوصاً أنّ الكليات لا توفّر لهم الجثث الكافية”. ويشير إلى أنّ “طلاباً عدّة يقومون بذلك، وبعضهم يعتمد على المتاح له من الكلية، خصوصاً أنّهم بمعظمهم من الطبقة الوسطى ومحدودي الدخل ولا يستطيعون شراء الجثث”.
تجدر الإشارة إلى أنّ طلاباً من كليات الطب يلجأون إلى “مقابر الصدقة” للحصول على الجثث التي يحتاجون إليها في دراستهم. هذا ما يؤكده حانوتيّ تحفّظ عن ذكر هويته لـ”العربي الجديد”. يضيف أنّ تلك المقابر التي يُدفن فيها الذين لا يملكون مقابر خاصة ليُدفنوا فيها، “صارت مرتعاً للطلاب الذين يشترون الجثث إمّا كاملة أو يكتفون ببعض أجزائها”.
أمّا رئيس لجنة الفتوى الأسبق في الأزهر، عبد الحميد الأطرش، فيؤكد أنّ “نبش القبور حرام ولا يجوز شرعاً”، مشيراً إلى أنّ “الله كرّم الإنسان حياً وميتاً”. ويشدد على أنّه “لا بد من معاملة الميت كالحيّ تماماً، إذ إنّه يتأذّى مثل الأحياء، وقد شرع الله دفنه تكريماً له ولا يجوز العبث بجثته”. يضيف الأطرش أنّ “الإنسان وأعضاءه ملك لله وحده، ولا يجوز بيع أيّ أجزاء منها سواء في حياته أو بعد مماته”. ويتابع أنّ “تشريح الجثة عقب وفاة غير طبيعية، والذي يقوم به الأطباء الشرعيون، هو المصرّح به فقط، وغير ذلك فهو حرام شرعاً، ويأثم من يقوم به”.