الجمعة 08 ديسمبر 2017 20:58 م بتوقيت القدس
“كنّا نطرق البيوت لجمع الزكاة مطلع الثمانينات وكان الحاج محفوظ متحمسا ومقداما يتميز بشهامة نادرة، وقد شهدت تلك الفترة تضييقا كبيرا على الشباب المسلم من قبل السلطات واعتقل العديد منهم، الأمر الذي جعل عملية التواصل مع الناس وجمع الزكاة صعبة بسبب تفضيل البعض عدم التعاطي مع أبناء الدعوة بصورة علنية، لكن المرحوم كان يصر على طرق كل الأبواب ويشرح للناس عن فريضة الزكاة والصدقات”.
هكذا تحدث السيد مصطفى غليون، عضو لجنة الزكاة في مدينة أم الفحم، عن رفيق دربه المرحوم الحاج محفوظ محمد سليمان ياسين أبو محفوظ (70 عاما) والذي انتقل إلى جوار ربه صابرا مؤمنا يوم الجمعة الماضي، بعد صراع طويل مع المرض.
وفي حديث لـ “موطني 48” مع عدنان ابنه، يقول: “عانى الوالد رحمه الله في السنوات الأخيرة من مرض عضال وبعد ان شعرنا قبل يوم من وفاته أنه تحسن قليلا تراجعت صحته مرة أخرى ثم أسلم الروح إلى بارئها، ولا نقول إلا ما يرضي الله تعالى فإنا لله وإنا إليه راجعون، لا شك أن فقدانه مصيبة نسأل الله أن يصبرنا على رحيله فقد ملأ علينا عالمنا وكان خير الوالد المحتضن لكل أبنائه وإخوانه وأبناء بلده”.
كان المرحوم الحاج محفوظ، من أبناء الرعيل الأول في مسيرة الدعوة والعمل الإسلامي بأم الفحم، وهو الشقيق الأكبر، للمرحومين توفيق وحسن أبو محفوظ، الذين كان لهما كذلك دور بارز في مسيرة العمل الإسلامي والدعوي في أم الفحم والداخل الفلسطيني.
يقول السيد مصطفى غليون في لقاء مع “المدينة” إن بداية علاقته الدعوية مع الراحل أبو محفوظ كانت في العام 81، عندما عملا معا في لجنة الزكاة الواعدة حينها، وكانا ضمن مندوبي اللجنة عن حارة المحاجنة، وبقيا معا في هذا الإطار حتى منتصف التسعينات، حيث لم تعد صحة الحاج محفوظ تساعده في متابعة نشاطه في هذا الجانب”.
إلى جانب ذلك يتابع: “نشط المرحوم في بدايات العمل الإسلامي في معسكرات العمل الإسلامي وتولى غالبا مهمة جمع التبرعات للمشاريع، وقد كان رحمه الله لا يكل ولا يمل حتى ننجز المشاريع، وقال لي مرة عندما توسعت المشاريع التي سنقوم بها دون وجود تغطية مالية كافية، لو تطلب الأمر سأبيع سيارتي من أجل سد العجز”.
وعمل السيد مصطفى غليون، والحاج محفوظ، رحمه الله، في جمع الزكاة في مرحلة شهدت اضطرابا كبيرا واعتقال العديد من القيادات المحلية في الملف المعروف “أسرة الجهاد”، إلا أن هذه الظروف لم تمنع المرحوم ورفاقه من العمل والدخول إلى كل البيوت، يقول غليون: “بعض الناس كان بصراحة يبدي خوفه من التعامل معنا بعد الاعتقالات، ولكن الحاج محفوظ كان يبادر لزيارتها ويسألهم عن زكاة أموالهم، كذلك تميز بموقفه في ضرورة أن تدعم لجنة الزكاة كل من يتقدم لها حتى لو لم يكن بحاجة فعلية للدعم، بل كان يقول لنا “لولا أن هذا الشخص محتاج ما تقدم للجنة الزكاة ولا طلب إعانة، لذلك علينا أن نعطي كل من يتقدم والله تعالى وحده يحكم على السرائر”.
وتحدث عن واقعة جمعتهما: “في إحدى المرات ذهبنا أنا والحاج محفوظ لتقديم ظرف فيه مبلغ من المال لأحد الأشخاص، ولم نكن نعرف هويته، وبعد أن وصلنا إلى العنوان الذي قيل لنا أنه يسكن فيه، رأينا رجلا في الشارع، ينظر إلينا، فقال لي الحاج وكان صاحب فراسة “انظر إليه اعتقد انه هو من نقصده، ويبدو على الرجل الحاجة فعلا”، فلما توجهنا إلى هذا الشخص كان بالفعل هو المقصود”.
وفي الصبر، ضرب المرحوم نموذجا رائعا، يقول غليون: “عانى كثيرا من أمراض مزمنة، لكنه كان دائم الابتسامة والعطاء لا يكل ولا يمل، تعرض أحد أبنائه مرة لإصابة خطيرة، وحين هرعنا إلى المستشفى وكنا في حالة قلق شديد، كان المرحوم هو من يصبرنا، كذلك حين فقد شقيقيه المرحومين توفيق وحسن، كان الحاج محفوظ صابرا، رغم انهما كان بمثابة أبنائه حيث توفي والدهم وهم صغار وكان المرحوم هو الأب والمربي وكبير الأسرة”.
الحاج محمود النمر، أحد أصدقاء المرحوم على مدار عقود، ذكر أن الراحل كان مدرسة في الصبر والعطاء والتضحية وقال لـ “موطني 48”: “رافقته في أيام صحته ومرضه ولم أجد مثله قدرة على الصبر وتحمل الابتلاء، رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته، تمتع كذلك بشهامة نادرة، ولم يكن يخشى في الحق لومة لائم”.
بدوره أكد الحاج عبد اللطيف حماد، أن المرحوم الحاج محفوظ كان صديقا صدوقا لكل من عرفه، وطيب القلب، كما أنه كان رجل المواقف في المراحل الأولى من العمل الإسلامي في مدينة أم الفحم.
يقول لـ “موطني 48”: “عرفت المرحوم من خلال الدعوة الإسلامية وكان يتميز بالحماس الشديد والغيرة على الإسلام، ورغم صحته التي لم تساعده كثيرا، كان دائما الحركة والحرص على تذويت المفاهيم الإسلامية في قلوب الناس، من خلال العمل الجاد ومعسكرات العمل، فكان متفانيا في عطائه لمسيرة العمل الإسلامي نسأل الله أن يسكنه فسيح جناته ويجعل أعماله في ميزان حسناته”.
من جانبه تحدث صديق المرحوم، الأستاذ محمد أبو شقرة عن العلاقة التي جمعته بالحاج محفوظ، وقال لـ “المدينة”: “عملت مع أخينا الراحل الحاج محفوظ، حقبة طويلة من الزمن، وكانت البداية في السنوات الأولى من ثمانينات القرن الماضي، وذلك في إطار لجنة الزكاة التي أسسها “الشباب المسلم” حينها، وقد استمر عملي معه في هذا اللجنة ولجان أخرى كلجنة العمل الإسلامي التي كانت تعمل جنبا إلى جنب مع لجنة المعسكر الإسلامي، وكانت هذه اللجان تقوم بأعمال تطوعية من تبرعات أهل الخير الذين لم ينقطعوا في يوم من الأيام، فعملنا معا في هذه اللجان في مختلف المجالات ومنها إطعام الفقير وتقديم المنح لطلبة العلم وتعبيد الشوارع وصيانتها وترميمها، ثم بناء الروضات الإسلامية وإضافة غرف تدريسية لبعض المدارس وتوسعتها وزارعة الحدائق فيها وصيانتها، كما كان الحاج محفوظ ناشطا في لجان الآباء في مدرسة “ابن سينا” والمدرسة الثانوية الشاملة”.
وتابع الأستاذ أبو شقرة: “أقولها بصدق وبأمانة، لمست في هذا الرجل طيبة المسلم الأصيل، كان لا يتردد ولا يتلعثم لما يدعى للتبرع والصدقة في سبيل الله، كان يقدم المال والفكرة، كان وقورا بين إخوانه، خجولا جدا، ومع خجله الذي اتصف به إلا أنه ما امتنع يوما عن قول كلمة الحق في موضعها وبأدب جمّ، عاش طيبا يقوم بعمله من غير ملل مبتسما يبش وجهه لمن يلتقيه وكأني به أراد أن ينال ثواب الابتسامة التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم “وتبسمك في وجه أخيك صدقة”، هكذا عرفتك أبا سمير وهكذا سأذكرك واحدث عنك وأنا أدعو لك بالرحمة والمغفرة”.